المقامة الفلسطينية



حدثني أبو الوليد ـ خالد بن يزيد ـ عن رؤيا رآها ، أفزعه مرآها ، أشغلت باله ، وعطلت أعماله ، أشغله تأويلها والبحث عن تعبيرها .
يقول : رأيت سوراً كبيراً ، وقفصاً صغيراً ، فالسور.. أحاط بالقفص المذكور ، وفي القفص الصغير ، أسدٌ له زئير ، وضبع قذر حقير ، قد نشبت بينهم معركة ، أظنها مفبركة ، فخلف الضبع ضباع وخنازير ، وقرود تمده بطعام وفير ، وخلف الأسد أشبال ، وأم ترعى الأطفال ، وشيخ يتلو الأنفال ، فالأسد يدافع عن عرينه ، والضبع يؤزه قرينه ، وخلف القفص جماهير ، نساء ورجال مشاهير ، ينتظرون البداية ، ويراهنون على النهاية ، بعضهم يصدح بالتكبير ، وفريق يدير القوارير .
وفجأة بدأت المعركة ، بداية غريبة مكركبة ، فالضبع دخل معه ضباع ، ولوحده بقي الأسد الشجاع ، بقي بلا مدد ، إلا نصرة الصمد ، فسالت الدماء ، وتطايرت الأشلاء ، وسمع العواء والزئير ، وارتفع الصراخ والتكبير، فالأسد مع جرحه يقاوم ، والضباع مع كثرتها تساوم ، ينصرها البعيد والغريب ، ويؤيدها عدوها القريب ! ، فهي أجيرة ، خائنة حقيرة ، تنفذ ما يقوله الأسياد ، وإن أهلكوا الحرث والحصاد ، أما صاحبنا الهمام ، فقد أحاط به اللئام ، وتخلى عنه أهل الإسلام ، وما ذاك إلا لمنهجه ، ودينه ومقصده ، وإغاظته للإعداء ، وفضح العملاء ، ففي دولته بان عوار السابقين ، وانكشف أمر المنافقين ، فبان عدله ، واشتهر نبله ، حتى صار مضرب المثل ، في الزهد والعلم والعمل .
وفي المعركة الأخيرة ، مع الضباع الكثيرة ، لم يزل ثابتاً في صموده ، قوياً في قيوده ، يأبى الانحناء ، والهزيمة النكراء ، يقاوم بساعد هزيل ، ومخلب مقلّم نحيل ، ينتظر نخوة الأسود ، وصولة الفهود ، ينتظر أهل أحد وحطين ، وبدر الكبرى وحنين .
وفجأة علا الغبار ، وأسدل الستار ، على معركة لم أعرف نهايتها ، ونهايةً لم أدرك حقيقتها .
ثم استيقظت ، ومن نومي أفقت ، ولم أزل بعدها قي ضيق ، عما حصل للأسد الرفيق ، وعن نهاية الضباع ، الحقيرة الجياع ، واليوم أبحث عن معبر ، فطنٍ بالخير يبشر ، يزيل غموضها ، ويفك رموزها ، فهل تدلني ، على من يعينني ؟؟
قلت : ما مثلها يعبر ، وما مثلها يفسر ، فهي أوضح من فلق الصبح ، معركة بين حماسنا وفتح .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حتى تكوني ليبرالية

المقامة التركية

المثقف بين الأدلجة والدبلجة