المشاركات

عرض المشاركات من أكتوبر, ٢٠٠٩

"المقامة الثولية"

المقامة الثولية منذ عام أو يزيد ، غاب خالد بن يزيد ، حتى ظننته هاجر ، ورجع إلى أهله وغادر ، ولكن الغريب فجاءة غيبته ، وسرعة رحلته ، فمنذ معرفتي به لم يفارقني ، ومنذ صحبتي له لم يفاجئني ، فقد كان يخبرني بكل ما يهمه ، وكل ما يقلق خاطره ويغمه ، حتى حسبتنا نفس فرقت في جسدين ، وروح علقت في بدنين ، وبعد طول غياب ، وتسرب اليأس إلى قلوب الأحباب ، صرنا نسلي بعضنا بنوادره ، وجميل أخباره وغرائبه ، فقائل هو أديب ، وآخر يقول بل حر أريب ، ومنهم من قال عزيز قوم ذل ، هانت عليه الدنيا فارتحل ، فغرائبه ونوادره جعلتنا نظن به الظنون ، وبلاغته ورجاحة عقله ليست في أبناء القرون. وفي ليلة كنا نتسامر ، وفي أخباره نتذاكر ، فإذا برجل عليه أثر السفر والنصب ، يجر خطاه من التعب ، فقمنا نستقبله ، ونسلم عليه ونقبله ، فبادرناه بالطعام والشراب ، فلازلنا ذوو مروءة أعراب ، فاستحيينا أن نسأله عن نفسه ، قبل أن يرتد إليه نفسه ، وخجلنا أن نفك عنه لثامه ، قبل أن نسمع كلامه ، وبعد أن استراح ، وشرب من اللبن أقداح ، شرع بالكلام ، وفك عن وجهه اللثام ، فإذا هو صاحبنا، وخلنا وفقيدنا ، فقمنا نقبله ونضمه ، ومن فرط الشوق نشمه