مقامة خالد بن يزيد والهيئات


خالد بن يزيد والهيئات
حدثني خالد بن يزيد ، وحديثه كله تغريد ، عن فئة غريبة ، ذوو همة عجيبة ، همهم همنا ، وهدفهم أمننا ، يغارون على الأعراض ، من كل ذي دخن وأمراض ، يأمرون بالمعروف بمعروف ، وينهون عن المنكر بلا منكر ، عددهم قليل ، وعدوهم ذليل ، عُددهم قليلة ، وأعمالهم جليلة ، يهابهم الكبير ، ويحبهم الصغير ، مجاهدون بلا سلاح ، وهدفهم الإصلاح ، ينشرون الفضيلة ، ويحاربون الرذيلة ، يخافهم الفساق ، ويبغضهم أهل النفاق ، رواتبهم زهيدة ، وأعمالهم مجيدة ، يقدمون النصيحة ، ويكرهون الفضيحة ، شعارهم الستر ، وعملهم بالسر ، إلا من هتك بيده ستره ، وأفشى بين الناس أمره ، فهؤلاء عن العافية محرومون ، كما أخبر نبينا المأمون ، "كل أمتي معافى إلا المجاهرون " .
أوقفته عن حديثه وقلت : لقد حزرت ، هؤلاء رجال أبي بكر وابن الخطاب ، وعثمان الحيي وعلي الأواب ، أو من المهاجرين والأنصار ، أصحاب رسولنا المختار .

قال : بعد ما هز رأسه وأمال ، بل في عصرنا ، وبين ظهرانينا ، يتطاول عليهم الرويبضة ، وتشمت بهم الفويسقة ، يقوّم عملهم كل سربوت ، من زباين بانكوك وبيروت ، بعدما حوصرت شهواتهم ، وحبست نزواتهم ، وصعب عليهم المنكر ، وقل بأيديهم المسكر ، فبحثوا عن أسباب الكساد ، وصعوبة الفساد ، فوجدوا أصحابي أول الأسباب ، وهم الباب ، الذي إن كسر قربت كل شهوة ، وسهلت كل نزوة ، فسارعوا لكسر هذا الحصن الحصين ، وخرق هذا السد المتين ، بأقلام مسمومة ، وصحف من الغرب مدعومة ، يبحثون عن أي زلل ، ويتصيدون أي خلل ، فيكبرونه ، وينشرونه ، فهذا ينشره بعموده ، وذاك يضمنه أحد ردوده ، والآخر برسم ساخر ، وأخيراً بمذكرات فاجر ، ثم بأفلامٍ ، أنستنا سم الأقلام .
قلت: وأخيراً فهمت ، تقصد الهيئات ، المحتسبين الثقات ، قال: ومن غيرهم ، لله درّهم ، وله برّهم ، عظم الله أجرهم .
قلت : بل عظّم الله أجرنا في فقدهم ، فأول السيل قطره ، وأول الحرب كرّه .
فقام من مكانه ، وكشر عن أنيابه وكل أسنانه ، وقد أزبد وأرعد ، وهدد وتوعد ، ثم قالها : ( هم صمام الأمان ، وباب الفتن ، وسد الشرور ، وخندق الفضيلة ، وحصن العفة ) فإن فقدناهم فقدناها كلّها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حتى تكوني ليبرالية

المقامة التركية

المثقف بين الأدلجة والدبلجة