مقامة المعلم



حدثني من به أثق ومع رأيه أتفق ، أعني به الأديب الفريد ، خالد بن يزيد ، يقول كنت يوماً طالباً ، مشاكساً مشاغباً ، في مدرسة شهيرة ، أحوالها مثيرة ، طلابها همج ، ومديرها خمج ، لي فيها طرائف ، كثيرة المواقف ، وفي يوم من أيامها السعيدة ، من مدة مديدة ، وكنت حينها في الفصل ، ((أقصع)) جول قمل ، إذ دخل علينا مديرنا ، وكان شكله يثيرنا ، كبير سن أحمق ، كأنه الشمقمق ، فقال وهو واثق ، أقدم أخي المرافق ، أستاذكم القدير ، والمعلم النحرير ، جاءنا مدرباً ، عن أهله مغترباً ، فإياكم والإهانة ، لشخصه والميانة ، أكرموا قدومه ، واستفيدوا من علومه ، فهذه أخلاقكم ، ومن قديم أسلافكم ، كانوا مضرب المثل ، في العلم والعمل ، فعندما خرج ، قلت هذا وربي الفرج ، فدخل ذاك ((الكشخه)) ، وقد نصبت فخه ، فلما على الكرسي جلس ، كأنه فارس بلا فرس ، فقال : يا أبنائي ، تحملوا إنشائي ، فأنا معلم جديد ، ومنكم نستفيد ، فكان في غاية التواضع ، كأنه معنا راضع ، أسر القلوب ، وستر العيوب ، وأحسن التعليم ، وأجاد التفهيم ، حتى تمنيت بقاءه ، وندمت على الإساءة ، قد تستغرب وما الإساءة ؟؟ فقد جعلت على الكرسي ، بتكس به السفن ترسي ، فلما قام من مقامه ، تبين حسن احترامه !!، إلتفت إلينا وتبسم ، وكانت ساعة الندم ، خشينا عندها الإبادة ، لنا ولزملاءنا وزيادة ، ، فقال : وهو يبتسم ، ما هكذا المعلم يحترم ، وما هكذا ترتقي الأمم !!

يقول خالد بن يزيد ، فلم أندم في حياتي ، وحتى بعد المماتي ، على مثل الفعله ، مع من لم أرى بين المدرسين مثله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حتى تكوني ليبرالية

المقامة التركية

المثقف بين الأدلجة والدبلجة